عندما هتف المصريون الثائرون ضد الحكم العسكري خرج علينا عبد الفتاح السيسي بصوت ممثل فاشل من الدرجة الرابعة قائلًا
” لا والله ما حكم عسكر “
لا يعني الحكم العسكري فقط أن يكون رئيس الجمهورية من خلفية عسكرية أو جنرال سابق، وإنما يعني في المقام الأول تغلغل العسكريين في كافة مفاصل الدولة وإدارة كافة شئون الحياة المتعلقة بالمدنيين. ويكفينا للتدليل على هذه الحقيقة أنه في حركة المحافظين الأخيرة التي أجراها السيسي في 27 محافظة كان نصيب العسكريين فيها 16 محافظًا مقابل 11 محافظًا مدنيًا كما ورد في جريدة اليوم السابع الموالية للحكومة المصرية في منشورها الصادر بتاريخ الثالث من يوليو عام 2024. ناهيك عن سيطرة العسكريين على مفاصل وأركان الدولة العميقة التي تدير كافة شئوون البلاد.
إن الحكم العسكري يعني في واحد من معاييره عسكرة القضاء من خلال تشريعات تفرض سلطة الجيش على كافة مناحي الحياة في البلاد نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر القانون رقم 3 لعام 2024 الخاص بتأمين المنشأت الحيوية والذي صدر في فبراير من العام الحالي.
هذا القانون يرسخ ويوسع صلاحيات الجيش، الواسعة أصلا، على الحياة المدنية بشكل يقوّض الحقوق. يمنح القانون الجديد الجيش سلطة جديدة واسعة لممارسة وظائف معينة بدلا من الشرطة والقضاء المدني والسلطات المدنية الأخرى كليا أو جزئيا، ويوسع نطاق اختصاص المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين.
أما عسكرة الدولة والمجتمع تعني في أحد مجالاتها سيطرة المؤسسة العسكرية على كافة أمور البلاد فكرًا ( كما في أدارتها للمنظومة الإعلامية في مصر ) وتنفيذًا وامتلاكًا كالاقتصاد.
منح عبد الفتاح السيسي القوات الجوية المصرية الحظوة وحصتها من كعكة اقتصاد المصريين حين قرر إنشاء ( جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة المملوك للقوات الجوية المصرية)
جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة أنشئ طبقاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 591 لسنة 2022 بإنشاء جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة.[1]
بدأ نشاط الجهاز تحت إشراف القوات الجوية المصرية بغرض المساهمة في مشاريع استصلاح الأراضي الصحراوية في مصر. يعمل الجهاز على استصلاح الأراضي الجديدة بالصحراء الغربية والصحراء الشرقية شمال وجنوب مصر،
يملك الجهاز التابع للقوات الجوية منافذ إعلامية رسمية كالتالي
الموقع الالكتروني والذي سيبدأ العمل قريبًا وفقًا للموقع
فيسبوك
ولأـن الجهاز تابع لمؤسسة عسكرية وهي القوات الجوية المصرية فأنه لايملك الخبرات أو الكوادر التي تمكنه من تنفيذ مشروعاته ، لذلك فهو دائم الإعلان عن وظائف شاغرة، ومن الثابت أن اختيار الأشخاص لمثل هذه الوظائف ينتهج معايير الولاء في المقام الأول وليس الكفائة ويجب أن يتم الموافقة علي شاغل الظيفة أولًا وأخيرًا من قِبل الجهات الأمنية شديدة الولاء للسلطة مما يضيع الفرصة على الكفاءات التي ربما لا تتفق مع السلطة في توجهاتها مما يعد نوعًا من التمميز في المعاملة بين موالي ومعارض أو حتى مستقل.
يشغل منصب المدير التنفيذي لجهاز مستقبل مصر العقيد طيار دكتور بهاء الدين الغنام.
وُلد جهاز مستقبل مصر لايملك من أمره شيئَا ولكن أهم ما يميزه أنه ابن الطبقة المدللة في مصر فصدرت له أوامر متعددة لتخصيص أراضي من أراضي الدولة التي تسيطر عليها المؤسسة العسكرية ومنها:
الاثنين 22 يوليو 2024 نشرت الجريدة الرسمية، في العدد 27 مكرر “و” في 10 يوليه سنة 2024، قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 285 لسنة 2024، بشأن تخصيص قطعتي أرض لصالح جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة.
“المادة الأولى”
تخصيص قطعتا الأرض المبينتان فيما بعد من المساحات المملوكة للدولة ملكية خاصة، لصالح جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، لاستخدامها في بعض المشروعات التنموية؛ قطعة أرض بمساحة 87899.82 فدان تقريبًا تعادل 369252484م2 ناحية محافظتی بنى سويف والمنيا، وفقا للوحة وجدول الاحداثيات المرفين ويرمز لهـا بالحرف “أ”.قطعة أرض بمساحة 850176.96 فدان تقريبًا تعادل 3571451414م2 ناحية محافظة أسوان ، وفقا للوحة وجدول الاحداثيات المرفقين ويرمز لها بالحرف “ب”.
“المادة الثانية”
يودع القرار بمكتب الشهر العقارى المختص بغير رسوم، ويترتب على هـذا الإيداع آثار الشهر القانونية.
في التاسع من أكتوبر من العام الحالي 2024 أصدر مجلس الوزراء قرارًا بالموافقة على مشروع قرار رئيس الجمهورية بتخصيص قطعتي أرض مملوكتين للدولة ملكية خاصة بناحية منطقتي رابعة وبئر العبد في محافظة شمال سيناء، لصالح جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، لاستخدامهما في أنشطة الاستصلاح والاستزراع؛ الأولى بمساحة 46.7 ألف فدان، والثانية بمساحة 714.19 فدان.
وفي السادس من نوفمبر من العام الحالي 2024 وافق مجلس الوزراء على مشروع قرار رئيس الجمهورية بشأن تخصيص 14 قطعة أرض، من المساحات المملوكة للدولة ملكية خاصة ناحية منطقتى رابعة وبئر العبد بمحافظة شمال سيناء، لصالح جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، لاستخدامها فى أنشطة الاستصلاح والاستزراع.
وفي الثامن عشر من سبتمبر من العام الحالي 2024 أصدر السيسي قرار رقم 338 لسنة 2024، بتخصيص مساحة 138 فدانا تقريبا من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة ناحية محافظة البحيرة؛ لصالح جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة لاستخدامها في بعض المشروعات التنموية.
كما أصدر في نفس اليوم القرار رقم 339 لسنة 2024 بتخصيص 3580 فدانا تقريبا من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة ناحية الجيزة لصالح جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة لاستخدامها فى بعض المشروعات التنموية.
بحيرة البردويل وتكرار سيطرة العسكر على الثروة السمكية
في الحاي والثلاثين من أكتوبر 2024 أعلن المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء المصري محمد الحمصاني عن نقل تبعية بحيرة البردويل المصرية إلى جهاز مستقبل مصر التابع للقوات الجوية المصرية. نفى الحمصاني في نفس التصرح اتجاه الحكومة إلى بيع البحيرة إلى مستثمرين أجانب، في الواقع لقد اضطر المتحدث باسم الحكومة إلى النفي لانتشار أنباء متواترة عن ضخ الامارات استثمارات في البحيرة.
ما هي بحيرة البردويل وما أهميتها؟
تبلغ مساحة البردويل 650 كيلومتر مربع، ويصل طولها إلى 130 كيلو متر، وبتتمتع بأهمية اقتصادية كبيرة، لأنها تنتج 4200 طن من الأسماك سنويًا (وفقا لإنتاجها في 2023) وأسماكها عالية القيمة، مثل العائلة المرجانية والبوريات.
يقول خبراء البيئة إن البردويل هي أنقى بحيرة في البحر المتوسط ، مما يجعل أسماكها من الأكثر طلبًا على المستوى العالمي، وبالتالي فإنها تحقق أرباح كبيرة من خلال تصدير إنتاجها لأوروبا، إلى جانب بيع إنتاجها في السوق المحلي، مما يجعلها أحد أهم مصادر الأمن الغذائي، نقلًا عن موقع “زاوية ثالثة”.
– “لا تقتصر أهمية بحيرة البردويل على البعد الاقتصادي بل ليها أهمية بيئية فريدة، بتتمثل في كونها جسر عبور للطيور المهاجرة بين القارات، إلى جانب أنه تم تسجيل 244 نوعًا من الطيور في المحمية تمثل 14 فصيلة.
تمثل بحيرة البردويل كيان بيئي متميز بما تحتويه من أسماك وطيور، وتخضع لإشراف وزارتي الزراعة وشئون البيئة، وتمتلك تلك الجهات خبرات وخبراء قادرين على إحداث أي تطوير للبحيرة ومعالجة أي مشكلات تشوبها.
كباقي البحيرات في مصر فقد واجهت البردويل معوقات عدة على مدار سنوات، أبرزها؛ حاجة البواغيز للتطهير، فضلًا عن الصيد الجائر للأسماك وتوافد الطيور المهاجرة على شاطئ البحيرة، ويقوم البعض بصيدها بشكل مخالف؛ ما يتسبب في إحداث خلل في التوازن البيئي.
ينتقد الخبراء الاقتصاديون نقل تبعية وملكية بحيرة البردويل إلى جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة التابع للقوات الجوية بحيث أن الجهاز لم يسبق له العمل في مثل هذه المشروعات ولا يمتلك الخبرة الكافية لتطوير البحيرة كما ادعى المتحدث باسم الحكومة. ويضيف الخبرء أن إسناد عملية تطوير البحيرة للجهاز يعتبر سابقة خطيرة، لكونه جهاز غير متخصص في هذا الشأن، في وقت تمتلك الدولة أجهزة متخصصة وقادرة على عمل أي تطوير في البحير؛ لذلك يخشون من أي أضرار يمكن أن تحدث في البحيرة نتيجة ضعف خبرات الجهاز في هذا المجال.
إن الوقائع تثبت أن ادعاءات الحكومة بأن الهدف من نقل تبعية البحيرة إلى جهاز مستقبل مصر يهدف إلى تنميتها وهذا كذب لأن في عام 2017 نفذت مصر مشروع تطوير وتنمية بحيرة البردويل، و تم رفع كفاءة وتطوير أربعة مراسي صيد، إضافة إلى إزالة العوائق الموجودة بها بإجمالي 3500 طن عوائق، وتطهير البواغيز، وتنفيذ الراحة البيولوجية للبحيرة في المواعيد المخططة، بتكلفة 120 مليون جنيه حينذاك. فيما تم التعاون بين أجهزة الدولة المعنية ووضع رؤية لمنع صيد الزريعة والصيد الجائر وتنفيذ قوانين الصيد والإهتمام بالصيادين وأحوالهم المعيشية، كما تم الاستعانة بالخبرات الأجنبية من شركة “إيفر جرين الصينية” لتطوير صناعة الأسماك، مع إنشاء صالة للفرز والتصدير والحصول على رخصة التصدير للاتحاد الأوروبي، كما أنشئت السلطة مركزًا للأبحاث والتطوير يحتوي على معامل متخصصة تعمل في مراقبة جودة المياه والغذاء الحي للأسماك وصحة أمراض الأسماك وتركيب وجودة الأعلاف.
كما أن افتقار جهاز مستقبل مصر لأية خبرات أو معارف أو كوادر لتنمية الثروة السمكية يؤكد أن الهدف فقط هو سيطرة المؤسسة العسكرية المتمثلة في القوات الجوية على مشروعات التنمية الزراعية في مصر.
تبع الإعلان عن نقل تبعية بحيرة البردويل إلى جهاز مستقبل مصر، أعلن الجهاز عن شروطًا وصفها الصيادون والخبراء بعلوم البحار بالتعجيزية، التي قد تتسبب في ترك كثير منهم مهنتهم التي المتوارثة عن آبائهم وأجدادهم.
ونقل موقع زواية ثالثة عن الصيادين في البحيرة غضبهم من نقل تبعية البحيرة إلى الجهاز السابق ذكره ووصفوا القرار بأنه سيضر بالصيادين ويصادر أرزاقهم في عرض المسطح المائي للبحيرة، وأنه من ضمن إجراءات العمل الجديدة التي تم إبلاغهم بها شفاهية من مصدر مسؤول بالجهاز في 30 من أكتوبر الماضي، عدم صيد الأسماك التي لا تقل عن ثلاث سمكات/كيلو جرام بوزن 350 جرام للسمكة الواحدة، مؤكدًا أن تلك الأحجام غير متوفرة بالبحيرة، إلا في أمهات الأسماك وعددها محدود للغاية.
الخاتمة
البردويل من أهم موارد مصر، ولا يجوز بيعها للإمارات، ولا رجال الأعمال، ولا تركها فريسة لأطماع العسكريين الغاشمة، الذين لا ينظرون إلى على فرص الربح بغض النظر عن أي اعتبارات بيئية أو اجتماعية، و بحيرة يعمل فيها 3500 صياد بشكل دائم، وغيرهم من آلاف المستفيدين بشكل جزئي.
تعتبر بحيرة البردويل أحد عناصر الأمان الحيوي للأمن الغذائي المصري، وبالتالي فإن نقل ملكيتها وتبعيتها إلى جهاز تابع للقوات الجوية المصرية سيكرر تجربة المزارع السمكية التي تم نزع ملكيتها من هيئة الثروة السمكية إلى الجهات العسكرية فكانت النتيجة ارتفاع جنوني في أسعار الأسماك بعدما كان الأسماك في متناول كافة الأسر المصرية والبديل للحوم حال ارتفاع أسعارها، ولكن بسبب التدخل العسكري أصبح تناول الأسماك من النوادر على موائد غالب المصريين.